Ad

يقف العالم على بعد أعتاب أزمة مياه وشيكة وهى وفقا لتقديرات «الأمم المتحدة» ستكون محسوسة خلال أشهر إذ تتوقع أن يشعر ثلثا سكان الكوكب بشح المياه بداية من العام المقبل.

وفقا لتقرير نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن أسباب أزمة المياه كثيرة، أوضحها تغير المناخ جزئيا، وارتفاع عدد سكان الكوكب.

شح المياه، سيرتبط وفقا للتحليلات بحروب على مصادرها، حيث من المتوقع أن تؤدى هذه الضغوط الناتجة عن نقص المياه إلى توترات جيوسياسية، حيث ستسعى الدول إلى حماية مصادرها المائية وفرض السيطرة عليها.

على الجانب الآخر، سيوفر شح المياه فرصًا هائلة للنمو التجارى، حيث تتزايد الاستثمارات فى المشاريع والتقنيات الجديدة المرتبطة بتحلية المياه، إذ يُنظر لتحلية مياه البحر كإحدى الحلول الواعدة لمواجهة نقص المياه العذبة، خاصة فى ظل التقنيات الحديثة فى هذا المجال والتى أصبحت أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مما يجعلها خيارًا جذابًا للعديد من الدول.

شمال أفريقيا وجنوب ووسط آسيا الأكثر تضررا

ثلث سكان الكوكب تحت ضغط العطش بداية من العام المقبل

بحلول عام 2025، من المرجح أن يواجه 1.8 مليار شخص ما تسميه منظمة الأغذية والزراعة “شُح المياه المطلق”، ومن المتوقع أن يعانى ثلثا سكان العالم من نقص المياه، وفقا لتقرير نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وذكر التقرير أن 2.4 مليار شخص يعيشون حاليا فى بلدان تعانى من شح المياه، وهى الدول التى تستهلك %25 أو أكثر من موارد المياه العذبة المتجددة.

ووفقا للتقرير، تشمل المناطق المتضررة بشدة جنوب ووسط آسيا، وشمال أفريقيا، إذ يوصف الوضع هناك بأنه حرج.

وحتى البلدان التى تتمتع ببنية تحتية متقدمة، مثل الولايات المتحدة، فإنها تشهد انخفاض مستويات المياه إلى مستويات قياسية.

وأوضح التقرير أن أزمة المياه تتفاقم بسبب عدة عوامل منها التغيرات المناخية، والتوسع العمرانى، والنمو السكانى السريع والتلوث وتنمية الأراضى.

وأشار التقرير إلى أن نقص المياه يؤثر على كل شيء، بدءا من الأمن الغذائى وحتى التنوع البيولوجى، ومن المتوقع أن يصبح أكثر شيوعا فى السنوات المقبلة.

فى جامايكا، على سبيل المثال، تعانى منطقة ماونت إيرى الريفية ، بشكل متزايد من الجفاف، الذى ارتبط بتغير المناخ، لذا انتشرت فى البلدة خزانات أعلى الأسطح لجمع مياه الأمطار، فقد أضحت الخزانات بمثابة شريان حياة للمزارعين المحليين.

وقالت المزارعة ألثيا سبنسر: «كل شخص أعرفه يواجه نفس التحدى المتمثل فى انخفاض هطول الأمطار وانخفاض القدرة على التنبؤ بسقوطها»، وأضافت أن وجود نظام لتجميع مياه الأمطار يجعلهم يشعرون بالارتياح.

وقالت ليتيسيا كارفالو، المنسقة الرئيسية لفرع المياه العذبة والبحرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: «لقد باتت ندرة المياه قضية حرجة بالنسبة لعدد متزايد من البلدان»، «لذلك ستحتاج البلدان فى جميع أنحاء العالم إلى أن تكون أكثر إبداعا فى طريقة إدارة مصادر المياه والحفاظ عليها وتأمينها خلال السنوات القادمة».

تاريخيا، كانت معظم المياه العذبة للشرب والصرف الصحى تأتى من طبقات المياه الجوفية، إلا أن العديد منها أخذ يجف بسبب الإفراط فى الاستخدام، والمواسم الجافة الأطول، ويعد هذا بمثابة عامل خطر متزايد بالنسبة للدول الصغيرة، إذ أصبحت المياه العذبة مهددة بشكل متزايد بالملوحة مع ارتفاع مستويات سطح البحر وغرق الأراضى المتدهورة، وفى محاولة لتوفير المياه، تتجه البلدان إلى مصادر غير تقليدية.

وفى السنوات الأخيرة، بدأت البلدان فى اللجوء إلى تحلية المياه، ووفقا لدراسة أجرتها الأمم المتحدة عام 2018، فإن هناك 15906 محطة تحلية عاملة تنتج حوالى 95 مليون متر مكعب يوميا من المياه المحلاة للاستخدام البشرى، يتم إنتاج %48 منها فى غرب آسيا وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن ينمو الاعتماد العالمى على تحلية المياه بصورة سريعة فى السنوات المقبلة، بحسب التقرير.

وتوفر العديد من الدول، مثل جزر البهاما وجزر المالديف ومالطا، جميع احتياجاتها من المياه عبر عمليات التحلية، كذلك يأتى أكثر من نصف مياه الشرب فى المملكة العربية السعودية من خلال محطات التحلية.

ومع ذلك، تتطلب تحلية المياه استثمارات ضخمة فى البنية التحتية، فى حين يساهم الوقود الأحفورى المستخدم عادة فى عملية تحلية المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة فى ظاهرة الاحتباس الحرارى.

16 ألف محطة عالميا معظمها فى الشرق الأوسط

«التحلية».. صناعة متنامية على مدار عقدين

تستهلك عمليات تحلية المياه الكثير من الطاقة، ورغم أنها مكلفة وتسبب تلوثا، إلا أنها ضرورية فى مناطق تعانى من نقص المياه العذبة والجفاف مثل شرق أفريقيا، والشرق الأوسط، بحسب تقرير نشرته إذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله”.

ورغم الانتقادات المتعلقة بالتكلفة، والاستهلاك المرتفع للطاقة، والتأثير البيئى الضار، فإن تحلية المياه، كما يقول خبراء، تعد صناعة متنامية إذ توسعت بشكل مطرد على مدى العقدين الماضيين.

وقال منظور قادر، نائب مدير معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، إن الأشكال الحديثة لتقنيات تحلية مياه البحر باتت حاليا تمثل مستقبل التعامل مع أزمة ندرة المياه.

ورغم أن المياه تغطى %70 من سطح الأرض إلا أن أقل من %1 (حوالى 1260 مليون تريليون لتر) من مياه الكوكب صالحة للشرب.

وتتعرض موارد المياه المحدودة لضغوط متزايدة، فالنمو السكانى، وتوزيع المياه العذبة بشكل غير متساوٍ، والجفاف المتزايد الناجم عن تغير المناخ، يجعل العديد من المناطق جافة وعطشى.

وبحسب التقرير، يعيش ربع سكان العالم فى بلدان تواجه ضغطًا مائيًا شديدًا، والذى يُعرَّف بأنه منطقة تستهلك ما لا يقل عن %80 من إجمالى إمدادات المياه المتاحة كل عام، الأمر الذى يعرض هذه المجتمعات لخطر نفاد المياه ويجبر الحكومات على تقييد الإمدادات بشدة.

وحتى فى ظل السيناريوهات المتفائلة حال الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، فمن المتوقع أن يعيش مليار شخص إضافى فى هذا الوضع بحلول عام 2050.

وأشار التقرير إلى إمكانية إنتاج 56 مليار لتر من المياه المحلاة يوميا، وهو ما يعادل حوالى 7 لترات لكل فرد فى العالم.

وبحسب التقرير، هناك حوالى 16 ألف محطة تحلية مياه تعمل فى العالم، يوجد منها %39 فى منطقة الشرق الأوسط، التى تعد إلى جانب شمال أفريقيا، من أكثر المناطق التى تتعرض فيها الموارد المائية لضغوط شديدة.

وقال نائب مدير معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة إن المستقبل بدون تحلية مياه بالنسبة للعديد من هذه الدول سيكون عصيبا.

فعلى المستوى العالمى، لا يأتى سوى %0.5 من إجمالى المياه المستهلكة من تحلية المياه المالحة، لكن فى دول مثل قطر والبحرين، تشكل هذه النسبة %76 و%56 على التوالى.

وأضاف قادر أنه رغم انخفاض تكاليف إنتاج المياه المحلاة بشكل كبير حاليا إلى حوالى 0.50 دولار للمتر المكعب اليوم، إلا أنها لا تزال صناعة البلدان الغنية، ولا تتحملها البلدان ذات الدخل المنخفض.

وأوضح التقرير أن أكثر من %90 من عمليات تحلية المياه تتم فى البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع فى العالم.

بين أكبر 10 تهديدات خلال العقد المقبل

%40 نسبة العجز الـدولى بحلول 2030

تنشأ ندرة المياه عندما يتجاوز الطلب على الماء العرض المتاح خلال فترة محددة، إذ غالبا ما تكون البنية التحتية غير كافية أو تفشل المؤسسات في تلبية احتياجات الناس، وفقا لتقرير نشره المنتدى الاقتصادى العالمى.

في عام 2022، كان هناك 2.2 مليار شخص فى العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، بما فيهم أكثر من 700 مليون شخص يعيشون بدون مرافق مياه أساسية، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.

وبحلول عام 2030، يتوقع التقرير أن يكون هناك عجز عالمي بنسبة %40 في موارد المياه العذبة، والذي يقترن بنمو عدد سكان العالم إلى ما يزيد عن 8 مليارات نسمة ليرتفع العدد إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يترك العالم يواجه أزمة مياه شديدة، بحسب التقرير.

ومن المتوقع أن تشهد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء أكبر تغيير في الطلب على المياه، مع زيادة متوقعة بنسبة %163 بحلول منتصف القرن، وفقًا لبيانات معهد الموارد العالمية، وهو ما يمثل أربعة أضعاف معدل التغيير المتوقع في أمريكا اللاتينية، ثاني أعلى منطقة فى الطلب العالمى على المياه.

وذكر التقرير أن الماء يغطي ما يقرب من ثلثي سطح الأرض، وتحتوي المحيطات على %96.5 من إجمالي المياه على الكوكب، ومع ذلك، فإن محتواها من الملح يجعل هذه المياه غير صالحة للشرب ، وهنا يأتي دور تحلية المياه.

وبحسب تقرير المخاطر العالمية لعام 2024، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمى، فإن أزمة الموارد الطبيعية مثل ندرة المياه، تعتبر واحدة من أكبر 10 تهديدات تواجه العالم خلال العقد المقبل.

وأشار تقرير المخاطر العالمية إلى أن محطات تحلية المياه تستخدم حاليا في مناطق مثل الشرق الأوسط، الذى يتمتع بمناخ حار إلى جانب اقتصاد مزدهر وقادر على استيعاب التكنولوجيا.

لكن طبيعة المحطات التقليدية لتحلية المياه، فيما يتعلق بكثافة استهلاكها للطاقة، وارتفاع التكاليف تعمل كحواجز أمام التوسع فى استخدامها على نطاق كبير، وفقا للتقرير.

ومع ذلك، فإن الحلول التي تقلل من الطاقة اللازمة لتشغيل محطات التحلية، وتقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة يمكن أن تغير الوضع وتزيد من إتاحة مياه الشرب العذبة للمجتمعات التي تواجه نقصا فى المياه، وفقا للتقرير.

وذكر التقرير أن هناك عدة طرق مختلفة لتحلية المياه، لكن معظمها يعمل إما بطريقة التناضح العكسي أو التقطير الفورى متعدد المراحل لإزالة الأملاح من ماء البحر.

وأوضح التقرير أن طريقة التناضح العكسي أكثر كفاءة مقارنة بالتقطير الفورى متعدد المراحل، وفى ظل التناضح العكسى، يتم استخدام غشاء خاص كمرشح، والذي يحجب ويزيل الأملاح من مياه البحر، وفى هذه الحالة، تولد المضخات القوية ضغطًا كافيًا لضمان استخلاص المياه النقية.

وتنتج الطريقتان محلولاً يحتوي على مستويات مرتفعة من الملح، وهو ما يمثل تهديداً للنظم البيئية البحرية عند إعادة إطلاقه في المسطحات المائية الطبيعية.

وأوضح التقرير أن ناتج الطريقتين هو مياه شرب نظيفة، وعلاوة على إزالة الملح، تزيل عملية التحلية أيضاً المركبات الكيميائية أو البيولوجية حتى لا تسبب المياه المحلاة الإسهال أو أمراض أخرى فى هذه الحالة.

وسط طلب متزايد وجفاف قاسى

المغرب.. نموذج لإعطاء الأولوية للاستدامة

اتخذ المغرب فى السنوات الأخيرة خطوات هامة لتعزيز موارده المائية، عبر تطوير محطات تحلية المياه، إذ لا تلبى هذه المرافق الاحتياجات المائية الفورية للبلاد فحسب، بل تضع الأسس لإدارة مستدامة للموارد المائية وسط تحديات متزايدة تتمثل فى التغير المناخى والنمو السكانى، بحسب صحيفة Atalayar الإسبانية.

وتقدر احتياجات المغرب من المياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنويا، %87 منها للقطاع الزراعى، ومع ذلك، لم تتجاوز الموارد المائية المتاحة 5 ملايين متر مكعب سنويا خلال السنوات الخمس المنقضية.

وقال سعيد تمسامانى، المحلل والمستشار السياسى وعضو نادى الصحافة فى واشنطن، إن التزام الرباط بتعزيز الأمن المائى أصبح واضحا لا لبس فيه.

وبحسب وزير التجهيز والماء المغربى نزار بركة، فإن قدرة تحلية المياه فى المغرب تبلغ حاليا 192 مليون متر مكعب، منها أكثر من 80 مليون متر مكعب لمياه الشرب.

وأوضحت الصحيفة أن التكنولوجيا والموارد المستثمرة لعبتا دورا أساسيا فى تحلية المياه فى المغرب، وقد تمخضت هذه الجهود عن إنشاء محطتين رئيسيتين فى أغادير والحسيمة، ولا تعمل هذه المرافق على إمداد المراكز الحضرية بالمياه العذبة فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز القطاع الزراعى.

وتمثل محطة تحلية المياه فى أغادير، التى دخلت الخدمة فى 2022، النهج الاستباقى للمغرب فى التعامل مع شح المياه، إذ تم تشغيلها فى ظروف ملحة وكانت ضرورية لسكان المدينة، لضمان إمدادات موثوق بها من مياه الشرب.

ومن المقرر أن تبدأ المحطة العملاقة التالية فى الدار البيضاء عملياتها فى عام 2026، مما يعد بزيادة كبيرة فى إنتاج المياه اليومى فى المغرب.

ومن خلال إعطاء الأولوية للأمن المائى عبر تحلية المياه المالحة، يقدم المغرب نموذجا للدول الأخرى التى تواجه مشاكل مماثلة فيما يتعلق بندرة المياه، وفقا للصحيفة الإسبانية.

وذكرت الصحيفة أن مسار المغرب نحو الأمن المائى عبر تحلية المياه المالحة هو مثال واضح على الحوكمة الاستباقية القائمة على التنمية المستدامة.

ورغم جهود المغرب لمكافحة الجفاف، إلا أن هذه الجهود غير كافية، وفقا للصحيفة، مما دفع الرباط إلى تفعيل خطة طوارئ لدعم الخطة الوطنية على المدى القريب والمتوسط.

وتتضمن الخطة مجموعة من التدابير فى الأجل القصير، منها التعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية القائمة، وإنشاء فرق لنقل وتوريد المياه، وتقييد استخدام مياه الرى.

وأمام الطلب المتزايد على المياه، بسبب تطور النشاط الصناعى واحتياجات القطاع الزراعى، حثت الحكومة المغربية القطاعات والهيئات المعنية على زيادة يقظتها وجهودها لمواجهة تحدى الأمن المائى وضمان توفير الماء الصالح للشرب لكافة المناطق فى المملكة.

دول الخليج تستحوذ على نصف المياه المحلاة فى العالم

يضم الخليج 4 دول من أكثر بلدان العالم شحا فى المياه، إذ يرجع نقص المياه فى دول مجلس التعاون الخليجى إلى انخفاض الإمدادات، بحسب تقرير لمجلة “ تايم” الأمريكية.

وذكرت المجلة أن الإجهاد المائى فى دول الخليج تفاقم بسبب تسارع النمو السكانى، الذى تضاعف خلال 20 عامًا، علاوة على ارتفاع الدخول.

وبحسب التقرير، أصبحت السعودية، التى تشكل أكثر من %60 من سكان دول مجلس التعاون الخليجى، الآن ثالث أكبر مستهلك للمياه على مستوى الفرد فى العالم، بعد الولايات المتحدة وكندا.

وأوضح التقرير أن شح المياه أدى إلى اعتماد دول الخليج على واردات الغذاء من البلدان التى تواجه حالة من عدم اليقين بشأن المياه والمناخ.

وتشير التقديرات إلى أن %60 من الزراعة المروية فى العالم تواجه ضغوطًا مائية شديدة الارتفاع، مما يضيف بعدا إضافيا للضعف، الأمر الذى دفع العديد من دول الخليج إلى زيادة الإنتاج الزراعى المحلى.

ورغم أن الأراضى الصالحة للزراعة فى دول الخليج أقل من %5 من مساحتها، فإن متوسط استخدام المياه لأغراض الزراعة يمثل %70 - %80 من موارد المياه المتجددة فى المنطقة.

ووفقا لمجلة تايم، تتم تلبية الطلب على المياه لأغراض الزراعة بالدرجة الأولى من خلال الاستغلال المكثف للمياه الجوفية، مما يتسبب فى انخفاض كبير فى مستويات المياه الجوفية.

وبحسب دراسة أجريت عام 2019 باستخدام بيانات الأقمار الصناعية لوكالة ناسا، فإن شبه الجزيرة العربية هى الأكثر إجهادًا من بين أكبر 37 طبقة مياه جوفية فى العالم.

لذا، تعتمد دول الخليج بشكل متزايد على تحلية المياه، إذ أضحت بلدان الخليج تنتج الآن حوالى %40 من إجمالى حجم المياه المحلاة فى العالم من خلال أكثر من 400 محطة تحلية.

ووفقا للتقرير، توفر المياه المحلاة نحو %42 من مياه الشرب فى الإمارات، و%70 فى السعودية، و%86 فى عُمان، و%90 فى الكويت.

وبحلول عام 2025، تستهدف السعودية تحقيق قدرة تحلية تبلغ 8.5 مليون متر مكعب يومياً، وهو ما يعادل تلبية الاحتياجات اليومية من المياه لنحو 34 مليون أسرة، وتتطلب قدرة تحلية المياه بهذا الحجم استثمارات بمليارات الدولارات على مدار سنوات عديدة، بحسب التقرير.

لكن التوسع فى مجال تحلية المياه نعمة ونقمة فى نفس الوقت، بحسب المجلة الأمريكية، فرغم أن تحلية المياه توفر مصدراً حيوياً للمياه العذبة، إلا أنه لا يمكن تجاهل الانبعاثات والتكاليف البيئية المرتبطة بعمليات التحلية، إذ لا تزال منطقة الخليج تعتمد على التقنيات الأكثر استهلاكًا للطاقة فى مجال التحلية، وفقا للتقرير.

وأشار التقرير إلى تحد آخر مرتبط بعمليات التحلية وهو المحلول الملحى الناتج عن التحلية، إذ يتطلب الحصول على لتر من المياه المحلاة حوالى 1.5 إلى 2 لتر من الماء الأجاج، ثم يتم إلقاء المحلول الملحى عادة فى البحر.

وتشير التقديرات إلى أن نحو %55 من المحلول الملحى الناجم عن عمليات التحلية فى العالم تنتجه بلدان السعودية والإمارات والكويت وقطر، ومن ثم يُعتقد الآن أن مياه الخليج أكثر ملوحة بنسبة %25 من مياه البحر فى أماكن أخرى، ما يؤثر على الحياة البحرية فى قاع البحر.

وأوضح التقرير أن هناك أبعاد جيوسياسية مرتبطة بعمليات تحلية المياه فى الخليج، فقد يؤثر تغيير السياسات المتعلقة بإنتاج الطاقة أو التقلبات فى أسواق النفط العالمية على تشغيل وإدارة محطات تحلية المياه، كما أنها عرضة للتهديدات المادية والسيبرانية.

وحال توقف محطات التحلية عن العمل، فلن يكون لدى معظم دول الخليج سوى بضعة أيام من احتياطيات المياه، بحسب المجلة الأمريكية.

تجارب البلدان الرائدة فى الشرب «من البحر»

فى ظل التغيرات المناخية الحالية التى تجتاح العالم وندرة المياه، يُنظر إلى تحلية المياه بشكل متزايد باعتبارها حلاً مستدامًا للتخفيف من ندرة الموارد المائية، وتعزيز الأمن المائى، بحسب تقرير نشرته مجلة Smart Water Magazine.

وتكتسب تكنولوجيا تحلية المياه، التى تحول المياه المالحة إلى عذبة، أرضية عالمية، ليس فقط استجابة للحاجة إلى موارد للمياه، ولكن أيضًا بوصفها استراتيجية لمواجهة التغير المناخى والنمو السكانى. واستعرض التقرير بعض التجارب الدولية فى مجال تحلية المياه فى بلدان منها السعودية، وإسرائيل، والإمارات، والمغرب، والولايات المتحدة، وإسبانيا.

السعودية

تعتبر السعودية حاليًا أكبر منتج للمياه المحلاة فى العالم إذ أضحت تحلية المياه حلاً عمليا وفعّالاً من حيث التكلفة بالنسبة للدولة الخليجية، وتتضمن رؤية المملكة 2030 أهدافًا طموحة للتوسع فى تحلية المياه. وفى 2020، بلغ عدد محطات تحلية المياه فى السعودية 35 محطة، مما يؤكد التزام الحكومة بتوسيع وتحسين البنية التحتية لمرافق تحلية المياه.

إسرائيل

يعتبر بحر الجليل هو المصدر الوحيد للمياه العذبة فى إسرائيل ، والذى يوفر %20 - %30 من إجمالى إمدادات المياه. ولما كانت إسرائيل تتواجد فى منطقة تعانى من قلة هطول الأمطار، فإنها تعتمد على تحلية المياه لتوفير المياه، للاستهلاك البشرى، ولأغراض الزراعة، مما جعل تكنولوجيا تحلية المياه هى المصدر الرئيسى للمياه، إذ يتم الحصول على %90 من المياه المحلاة من خمس محطات رئيسية.

وتعد محطة سوريك، التى تقع على بعد 15 كيلومترًا من تل أبيب، الأكبر فى دولة الاحتلال، وواحدة من أكبر المحطات فى العالم، وتم تشغيل المحطة فى عام 2013، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 640 ألف متر مكعب فى اليوم، وتغطى %20 من الطلب على المياه فى إسرائيل.

الإمارات

تعتبر الإمارات من الدول الرائدة فى مجال تحلية المياه على مستوى العالم، إذ تعتمد تقريبا على هذه التقنية لتوفير مياه الشرب بسبب الندرة الطبيعية لموارد المياه فى الدولة الخليجية. ويتم توفير %90 من مياه الشرب فى البلاد عبر محطات التحلية.

وتعد أبوظبى من أكبر منتجى ومستهلكى المياه المحلاة على مستوى العالم، إذ تنتج %9 من إجمالى المياه المحلاة فى العالم ، وتمتلك 9 محطات تحلية تنتج 4.13 مليون متر مكعب يوميًا للاستخدام السكنى والأنشطة الاقتصادية.

وعلاوة على ذلك، تعد الإمارات فى صدارة الدول فيما يتعلق بأبحاث تقنيات تحلية المياه الأكثر كفاءة واستدامة.

المغرب

تطبق المغرب استراتيجية شاملة لمعالجة أزمة المياه، إذ تعتبر عملية تحلية المياه هى الحل الرئيسى. وفى وقت سابق من هذا العام، أعلن وزير البنية التحتية والمياه المغربى نزار بركة أن %50 من إمدادات مياه الشرب فى البلاد ستأتى عبر محطات التحلية بحلول 2030. ومن بين المرافق التى يجرى تشغيلها، بإجمالى 15 محطة تحلية قيد التطوير فى المملكة، تبرز محطة تحلية الدار البيضاء، والتى ستكون ثانى أكبر محطة تحلية مياه فى العالم، وفقا للمجلة.

الولايات المتحدة

تاريخيًا ، واجهت ولاية كاليفورنيا مشاكل مرتبطة بالجفاف، مما دفعها إلى تبنى حلول مبتكرة مثل تحلية المياه.

وتعد محطة “لويس كارلسباد” أكبر محطة لتحلية مياه البحر وأكثرها تقدمًا من الناحية التكنولوجية فى البلاد، إذ يوفر هذا المرفق أكثر من 190 مليون لتر من المياه الصالحة للشرب يوميًا، مما يساعد فى تخفيف الاعتماد على مصادر المياه الخارجية والمساهمة فى استقرار المياه فى المنطقة. علاوة على ذلك، احتفلت محطة تحلية المياه فى تامبا، بولاية فلوريدا، بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها فى عام 2023. وقد تم تشغيلها بسبب الحاجة إلى تأمين إمدادات جديدة لمياه الشرب يمكنها تخفيف الضغوط البيئية وتلبية احتياجات المنطقة المتنامية.

إسبانيا

تستثمر الحكومة الإسبانية فى محطات تحلية مياه جديدة لمعالجة أزمة المياه وضمان إمدادات المياه فى المناطق المتضررة من الجفاف. وتحتل إسبانيا مكانة بارزة فى هذا المجال، سواء من حيث القدرة أو تطوير الصناعة. فمنذ ستينيات القرن العشرين، عندما تم تشغيل أولى محطات تحلية المياه فى جزر الكنارى، شهدت البلاد نموًا كبيرًا فى هذا القطاع، إذ أنتجت حوالى 5 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة عبر ما يقرب من 800 محطة. وعلى هذا النحو، تُستخدم تحلية المياه على نطاق واسع فى إسبانيا فى مجالات مثل إمدادات مياه الشرب فى المناطق الساحلية، والزراعة، والصناعة، والسياحة.

وفيما يلى أبرز التقنيات المعروفة لتحلية مياه البحر:

التناضح العكسى (RO)

تستخدم هذه التقنية غشاءً شبه نفاذ يسمح بمرور جزيئات الماء فقط، بينما يحتجز الأملاح والشوائب.

وهذه التقنية فعالة فى إزالة الملوحة، وتستخدم على نطاق واسع فى محطات التحلية.

التبخير المتعدد (MED)

تعتمد هذه التقنية على تسخين المياه ثم تبخيرها عدة مرات، مما يؤدى إلى تكثيف بخار الماء وتحويله إلى ماء عذب.

ومن مميزاتها أنه يمكن استخدام الحرارة المهدرة من محطات الطاقة، مما يجعلها ذات كفاءة عالية في توفير الطاقة.

التحلية بالتقطير

تشمل هذه التقنية تسخين الماء حتى يتبخر ثم تكثيف البخار لجمع الماء العذب.

وتعتبر هذه تقنية تقليدية وتحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة.

التقنية الكهربائية (ED/EC)

تستخدم الكهرباء لفصل الأيونات من الماء عبر أغشية، مما يؤدى إلى تحلية المياه، وهى تقنية فعالة فى إزالة الأملاح، ولكن قد تتطلب استهلاك طاقة مرتفع.

التحلية بالضغط (PWD)

تعتمد على استخدام الضغط لفصل الأملاح عن الماء، ويتم استخدام تقنيات مثل التناضح العكسى أو العمليات الكهربائية.

وتعمل هذه التقنية بكفاءة عالية وقد تستهلك طاقة أقل مقارنة ببعض الطرق التقليدية.

التحلية بالطاقة الشمسية

تشمل تقنيات مثل المكثفات الشمسية، حيث تستخدم حرارة الشمس لتبخير الماء ثم تكثيفه، وهى تقنية صديقة للبيئة وتعتبر خيارًا مستدامًا، لكنها تحتاج إلى ظروف جوية ملائمة

التقنيات الحيوية

تعتمد على استخدام الكائنات الحية أو الأنسجة الحية لإزالة الملوثات من المياه، ويمكن أن تكون فعالة فى معالجة المياه العادمة، ولكنها ما زالت فى مراحل التطوير.

التكاليف الباهظة.. كيف تصبح المحطات «نقطة ضعف» فى الدول؟

تبدو مشروعات تحلية المياه للوهلة الأولى بمثابة الحل السحرى لتوفير احتياجات منطقة الخليج من المياه ، غير أن محطات التحلية لا تخلو من تكاليف بيئية كبيرة، فضلا عن كونها قد تصبح نقطة ضعف لأمن الدول.

وبحسب تقرير “المركز العربى واشنطن دى سي”، فإن محطات تحلية المياه لها عواقب بيئية مقلقة، سواء الآن أو فى المستقبل.

ووفقا للتقرير، فإن عمليات تحلية المياه تسهم فى إسقاط بعض العوامل التى تؤدى إلى الصراع على المياه، فالاعتماد على مياه البحار بدلاً من مياه الأنهار من شأنه أن يخفف من التوترات التى يمكن أن تنشأ بين الدول التى يربط بينها نهر واحد.

ومع ذلك، قد تصبح تحلية المياه بؤرة للصراع السياسى وقد تؤدى إلى عوامل جيوسياسية خاصة بها، فعلى سبيل المثال، يتعين على دول الخليج أن تتعامل مع اعتمادها على نفس المصدر المائى لتلبية احتياجاتها من مياه الشرب.

وكما لوحظ، أصبحت مياه الخليج مصدر قلق للأمن المائى، ومع وجود منصات النفط البحرية وأكبر ناقلات للنفط فى العالم، فإن تسرب النفط فى مياه الخليج من شأنه أن يعطل إمدادات المياه فى العديد من دول الخليج.

كما يمكن أن تصبح تلك المحطات نفسها أهدافا عسكرية فى حالة الحروب.

وذكر التقرير أن دول الخليج العربية لطالما كانت رائدة فى مجال الاستثمار فى مجال تحلية المياه، إذ تعود تجارب تحلية المياه إلى تسعينيات القرن التاسع عشر، استجابة لاحتياجات الحجاج من المياه.

ومع ذلك، لم يتم إنشاء محطات حديثة لتحلية المياه فى البحرين والكويت والسعودية وقطر إلا فى الخمسينيات من القرن العشرين، ففى عام 1965، أنشأت السعودية إدارة لتحلية المياه داخل وزارة البيئة والمياه والزراعة، وتم بناء أول محطات تحلية فى البلاد فى عام 1969، ثم تم إنشاء محطات فى جدة فى عام 1970 والخبر فى عام 1973.

وأوضح التقرير أن تاريخ المياه والنفط فى المنطقة مترابط ففى السعودية، أثناء البحث عن مصدر للمياه فى جدة، تم اكتشاف النفط لأول مرة فى المملكة، وأشار التقرير إلى أن النفط، خاصة خلال أزمة النفط فى عام 1973 وما صاحبها من ارتفاع للأسعار، هو الذى وفر التمويل اللازم لبناء محطات التحلية فى البلاد.

وبفضل النفط، يتم إجراء عمليات تحلية المياه فى المنطقة، إذ تستخدم السعودية ما يقرب من 300 ألف برميل من النفط يوميًا لتحلية المياه، وفقا للتقرير.

ومن حيث كمية المياه المنتجة، تحتل السعودية موقع الصدارة، ففى عام 2020، أفادت التقارير أن الرياض ستستثمر حوالى 80 مليار دولار فى تحلية المياه على مدى العقد المقبل، ومن المتوقع أن تصل قدرتها على تحلية المياه إلى 8.5 مليون متر مكعب يوميًا بحلول عام 2025.

وبحسب التقرير، هناك القليل من الدلائل على أن دول الخليج على استعداد أن تكون أكثر اقتصادًا فى استهلاك المياه، فالدعم الحكومى السخى يبقى أسعار المياه منخفضة، لكن الطلب ارتفع فى القطاعات المنزلية والصناعية والزراعية، إذ يبلغ معدل استخدام المياه السنوى للفرد فى دول الخليج اليوم 560 لترًا فى اليوم، مقارنة بمتوسط عالمى يبلغ 180 لترًا.

ومن المؤكد أن دول المنطقة لديها خطط لمشروعات ضخمة تتطلب كميات كبيرة من المياه، على سبيل المثال، قُدِّر أنه خلال كأس العالم 2022 فى قطر، احتاج كل ملعب كرة قدم إلى 10000 لتر من المياه المحلاة يوميًا.

ووفقا للتقرير، فإن أحد الحلول المقترحة لمتطلبات الطاقة فى مشروعات تحلية المياه هو ربط محطات التحلية بمصادر الطاقة المتجددة.

يُعتقد الآن أن مياه الخليج أكثر ملوحة بنسبة %25 من مياه البحر العادية ومع ذلك، فإن تصريف المياه المالحة من محطات التحلية يساهم فى تغيير بيئة الخليج، وتشير التقديرات إلى أن حوالى %55 من المياه المالحة الناجمة عن عمليات التحلية فى العالم تنتجها السعودية والإمارات والكويت وقطر.

مع تطلع الدول الأخرى فى المنطقة العربية وخارجها إلى تحلية المياه كحل لتوفير احتياجاتها المائية، فإن هناك دلائل تشير إلى أن دبلوماسية تحلية المياه قد تصبح أداة سياسية مهمة، إذ ستستفيد دول الخليج من مكانتها بوصفها من أوائل الدول فى هذا القطاع، وسوف تتمكن من تصدير التكنولوجيا والمياه إلى دول أخرى.